بعد ان حصل حسين فوزى على دبلوم الطب والجراحة (كلية طب القصر العينى
الان) نجده يلتحق بمستشفيات الرمد بمصلحة الصحة ولم يختار الرمد لولع خاص
به بل لانه اخذ جائزة فيه وقضى ثلاث سنوات للتخصص فى مستشفيات الرمد
بعدها شعر انه لايستطيع ان يجعل حياته كلها محصورة فى العين
وكان القرار الخطير الذى اتخذه رغم اعتراض زملاؤة و رؤسائه وهو دراسة
شىء هائل عجيب مجهول له تماما الا وهو البحر
ولاتفسير لذلك القرار اكثر من الرغبة فى العلم والمعرفة والتوق الشديد الى ينابيع
الحضارة الاوروبية التى اعجب بها
ومن حسن الحظ انه تعلم الادارة فى مستشفيات الرمد وكانت من ارقى المنشأت
المصرية من حيث الادارة فق كان طبيب الرمد المبتدىء لايتلم امراض العيون
وحدها بل يضطر كذلك الى دراسة طرق الادارة فى الحكومة المصرية من شئون
موظفين واجراءات مالية وميزانية وارشيف ومخازن وغير ذلك
وقد نفعه ذلك فى حياته العملية اما الجانب المقابل فيتركز فى هيامه بالادب و
الموسيقى من مطلع شبابه بلغت الى ان اصبحت حالة مرضية اثناء دراسة الطب
انه نوع من الرومانتيكية لم يشف منه وبالطبع لاينتظر ان يشفى منه
هذة الرومانتيكية المتمثلة فى توهج المشاعر وجموح العواطف جعلته يتجه الى
البحث عما يكبح جماح هذه المشاعر و العواطف ويتغلب عليها ليسوقها بنفسه لا
لتجمح به وهذا الاحساس هو الذى دفعه الى دراسة العلم والانصراف الى البحث
العلمى واستطاع فى سن مبكرة نقل الحماس الرومانتيكى فى صورته الفنية
والادبية الى الحماس العلمى فى صورته الموضوعية وتتحول الى دقة علمية
وساعده العلم فى شىء اخر هام هو الثورة الفكرية فاصبح العقل لا يتقبل شىء الا
بعد ان يناقشه لكن اهم شىء هو الاعتقاد الصارم باهمية ادراك الانسان لحقيقته فى
كل لحظة ...وان الانسان فى اللحظة الحاضرة جاهل بالنسبة الى اللحظة القادمة
ويترجم ذلك عمليا (بان الانسان يجب ان يظل دائما طالب علم)
وحين رجع الى الادب اصطحب هذة الاسس معه الى نشاطة الادبى وتفكيرة
الاجتماعى والفنى
كان فى حياته دائما قائد نفسه لم يكن كالسفينة التى فقدت ربانها فلعبت بها الامواج
وانما قاد حياته بنفسة
اختار ان يترك الطب الى دراسة علم جديد عليه لم يكن يعرف عنه حرفا واحدا ولم
يكن فى مصر كلها من يدرى ما هو هذا العلم ( الاوقيانوغرافية)اى علوم البحار
وارسل فى بعثة الى باريس لدراسة الاحياء المائية وخصوصا احياء المياة العذبة
لمدة خمس سنوات وكان يعلم انه اول من يطرق باب هذه العلوم فى بلاده
كانت حياة فوزى فى باريس مذدوجة فهو طبيب يتنازعه الشغف والمعرفة وعشق
الفن وكانت خطتة بسيطة كلها كد واجتهاد واتصال دائم بالفن الذى يحبة وهو
الموسيقى والعلم الذى يحصل عليه والاطلاع فى المنزل وتتبع الحركة الفنية
خارجه واستطاع ان يتغلب على الرومانتيكية الى الواقعية وطبقها فى الفن والادب
بفضل متابعة الكتب والدوريات والمحاضرات العامة وما يسمعه فى قاعات
الموسيقى والمسرح و لايزال يذكر ليالى سهرها فى مسرح الكابيتول يستمع فيها
الى رباعيات فاجنر ليلة بعد ليلة والمدينة الجامعية التى يقيم فيها تردد الحانها على
البيانو فى المنازل الخاصة وفى قاعات المحاضرات حيث كان اساتذتهم من كليات
الاداب والعلوم يحللون لهم ويشرحون موسيقى الالمانى العظيم
لقد ذهب الى اوروبا ليدرس علوم البحار لكنه كان مدركا ان وراء مهمته شىء
يفوق ذلك وهو دراسة الحضارة
وعاد من بعثته الى مصر عام 1921 ليجد الدستور معطلا وفى طريق الالغاء
واسماعيل صدقى باشا بصدد تفصيل دستور (محندق) جرت فى ظله انتخابات لم
يدمغها كاتب بمثل ما فعل توفيق الحكيم فى يوميات نائب فى الارياف
كانت البلاد تتعثر فى طريق التقدم و التطور وقد دبت عوامل التفرقة والفشل
كان عليه ان يطبق ما درسه على الثروة المائية بمصر ويعمل على تنظيمها علميا
ويضع اساس البحوث التى يجب ان تجرى فى الحال فكان من ذلك
انشاء معهد الاحياء المائية بقايتباى بالاسكندرية
دراسة البحار المصرية على ظهر السفينة مباحث
الخروج الى البحر الاحمر والمحيط الهندى مع بعثة جامعة كامبردج
وواصل عمله مديرا لمباحث الاسماك ..ولمعهد الاحياء المائية ثم اضيفت اليه
وكالة مصلحة المصايدوظل يعمل لمدة 12 عاما دون كلل او ملل سمعة
طيبة....جهد وفير ...واسفار بعيدة وقريبة اداء لواجبه واعتراف له بالكفاية لايقابله
من الحكومة ما يدل ان الجزاء من جنس العمل
عمل بعد ذلك عميدا لكلية العلوم واستاذا لعلم الحيوان بجامعة الاسكندرية منذ
انشائها فى اغسطس عام 1942